هل التاريخ اجترار دائم أم دروس للمستقبل؟
المؤلف: عبده خال09.27.2025

هل يشبه التاريخ عملية الاجترار التي تقوم بها الحيوانات؟
قبل الخوض في الإجابة، يجدر بنا توضيح أن الاجترار هو خاصية فريدة تميز الحيوانات المجترة عن غيرها من الكائنات الحية. وتشير الحقائق العلمية إلى أن هذه العملية المعقدة تحدث نتيجة لتركيبة المعدة المميزة لهذه الحيوانات، والتي تعتمد على إعادة مضغ الطعام وخلطه باللعاب، بالإضافة إلى التنبيهات العصبية التي تحفز عملية الاجترار. كما تلعب الحركة الدودية المعكوسة دوراً هاماً في هذه العملية، حيث يتم دفع الطعام المهضوم جزئياً والمبتلع سابقاً من الكرش والشبكية إلى الفم ليتم مضغه مرة أخرى وخلطه باللعاب، ثم يعاد بلعه.
هذه المعلومة العلمية الدقيقة، والتي استقيتها من أحد المصادر، كانت ضرورية لأستهل بها مقالتي هذه، والتي تتمحور حول سؤال جوهري: هل نحن، كبشر، نمارس الاجترار في مختلف جوانب حياتنا، سواء في طريقة تناولنا للطعام، أو في أسلوب تفكيرنا، أو في تعاملنا مع أحداث الحياة المختلفة؟ يبدو أننا نميل إلى اجترار الأحداث التي مضت من حياتنا، حيث تتكرر الأخطاء التاريخية مراراً وتكراراً، ويتم البناء عليها دون تعلم الدروس المستفادة. وما زالت الكتابات المختلفة تعيد تدوير تلك الأخطاء، ويستمر العديد من الكتاب والمحللين في تفنيد أسباب ونتائج ما أدت إليه تلك الأخطاء التاريخية.
ولأن الحياة لا ترغب في أن تتوقف أو تتعطل حركتها المستمرة إلى الأمام، فإنها لا تلتفت إلى الماضي مهما كانت فداحة الأحداث التي وقعت فيه. فالحياة تشبه المقبرة التي لا تعيد حياً إليها، وهي أيضاً لا تقبل أن تدفن في طيات الماضي.
إذاً، ما الفائدة المرجوة من الكتابة عن ماضٍ لن يستطيع استعادة حيويته؟
وكيف يمكننا دحض حجة من يرى أن الكتابة عن التاريخ القديم تشبه محاولة تحليل فلسفة دوران الماء في النافورة؟
إن الكثيرين ممن يسعون نحو المستقبل يتجاهلون حجج الباحثين الذين يسعون إلى تبيان كيف وقعت الأخطاء التاريخية في الماضي. فهؤلاء الأشخاص يؤمنون بأن الزمن قد طوى صفحته على تلك الأحداث، فلماذا ننبش في رفات مدفون، وقد خلف وراءه ذرية نسته وانطلقت نحو الأمام؟!
أما أولئك الذين يتمسكون بالكتابة عن تلك الأخطاء التاريخية، فإنهم يستندون إلى حجة مفادها ضرورة إطلاع الأجيال القادمة على ما حدث من أخطاء أدت إلى ظهور الحاضر على صورته الحالية.
وهي أيضاً حجة أولئك الذين يسعون إلى توجيه الأحداث وفقاً لأيديولوجيات معينة، والذين يرغبون باستمرار في إعادة عقارب الساعة إلى نقطة البداية.
فالخطأ الذي وقع قبل مئات السنين لا يمكن تقويمه الآن، لأن جميع الأحداث الزمانية والمكانية قد تجاوزت تلك الحقبة، وتم دفع ثمن الأخطاء، وكذلك ثمن التصويبات.
وإذا أردنا تقديم مثال بسيط على ذلك الخطأ التاريخي، فيمكننا أن نذكر موقعة الجمل، أو معركة صفين، أو انتصار المعتزلة في عهد المأمون، أو معضلة خلق القرآن، أو حقبة حكم المتوكل، أو سقوط الخلافة العثمانية، أو اتفاقية سايكس بيكو، أو أحداث 11 سبتمبر التي شهدت سقوط برجي التجارة العالميين، أو ليلة سقوط بغداد، أو اكتشاف المؤامرات التي تحاك، أو أي حدث وقع بالأمس القريب. إن حكم الواقع يقتضي بأن ما حدث قد أصبح جزءاً من الماضي، وأن الحاضر سيعمل على ترميم جميع الأخطاء لكي يحل الغد حاملاً معه بشائر الأمل.
فما يحدث اليوم هو الواقع الذي نعيشه، وأي حدث يقع ويحدث تغييراً في هذا اليوم يصبح هو المستقبل الذي نتطلع إليه.
إن تقييمنا لمجريات الأحداث يعتبر جزءاً من اهتماماتنا اليومية، والأقاويل التي تقال بعد انقضاء اليوم تتحول إلى تاريخ نعيش به في الغد.
إن التصويب هو بمثابة عجلة ضخمة اسمها الحياة، تدرس كل ما يصادفها من أحداث وتجارب لكي تصوغ حكايات المستقبل الزاهر.
قبل الخوض في الإجابة، يجدر بنا توضيح أن الاجترار هو خاصية فريدة تميز الحيوانات المجترة عن غيرها من الكائنات الحية. وتشير الحقائق العلمية إلى أن هذه العملية المعقدة تحدث نتيجة لتركيبة المعدة المميزة لهذه الحيوانات، والتي تعتمد على إعادة مضغ الطعام وخلطه باللعاب، بالإضافة إلى التنبيهات العصبية التي تحفز عملية الاجترار. كما تلعب الحركة الدودية المعكوسة دوراً هاماً في هذه العملية، حيث يتم دفع الطعام المهضوم جزئياً والمبتلع سابقاً من الكرش والشبكية إلى الفم ليتم مضغه مرة أخرى وخلطه باللعاب، ثم يعاد بلعه.
هذه المعلومة العلمية الدقيقة، والتي استقيتها من أحد المصادر، كانت ضرورية لأستهل بها مقالتي هذه، والتي تتمحور حول سؤال جوهري: هل نحن، كبشر، نمارس الاجترار في مختلف جوانب حياتنا، سواء في طريقة تناولنا للطعام، أو في أسلوب تفكيرنا، أو في تعاملنا مع أحداث الحياة المختلفة؟ يبدو أننا نميل إلى اجترار الأحداث التي مضت من حياتنا، حيث تتكرر الأخطاء التاريخية مراراً وتكراراً، ويتم البناء عليها دون تعلم الدروس المستفادة. وما زالت الكتابات المختلفة تعيد تدوير تلك الأخطاء، ويستمر العديد من الكتاب والمحللين في تفنيد أسباب ونتائج ما أدت إليه تلك الأخطاء التاريخية.
ولأن الحياة لا ترغب في أن تتوقف أو تتعطل حركتها المستمرة إلى الأمام، فإنها لا تلتفت إلى الماضي مهما كانت فداحة الأحداث التي وقعت فيه. فالحياة تشبه المقبرة التي لا تعيد حياً إليها، وهي أيضاً لا تقبل أن تدفن في طيات الماضي.
إذاً، ما الفائدة المرجوة من الكتابة عن ماضٍ لن يستطيع استعادة حيويته؟
وكيف يمكننا دحض حجة من يرى أن الكتابة عن التاريخ القديم تشبه محاولة تحليل فلسفة دوران الماء في النافورة؟
إن الكثيرين ممن يسعون نحو المستقبل يتجاهلون حجج الباحثين الذين يسعون إلى تبيان كيف وقعت الأخطاء التاريخية في الماضي. فهؤلاء الأشخاص يؤمنون بأن الزمن قد طوى صفحته على تلك الأحداث، فلماذا ننبش في رفات مدفون، وقد خلف وراءه ذرية نسته وانطلقت نحو الأمام؟!
أما أولئك الذين يتمسكون بالكتابة عن تلك الأخطاء التاريخية، فإنهم يستندون إلى حجة مفادها ضرورة إطلاع الأجيال القادمة على ما حدث من أخطاء أدت إلى ظهور الحاضر على صورته الحالية.
وهي أيضاً حجة أولئك الذين يسعون إلى توجيه الأحداث وفقاً لأيديولوجيات معينة، والذين يرغبون باستمرار في إعادة عقارب الساعة إلى نقطة البداية.
فالخطأ الذي وقع قبل مئات السنين لا يمكن تقويمه الآن، لأن جميع الأحداث الزمانية والمكانية قد تجاوزت تلك الحقبة، وتم دفع ثمن الأخطاء، وكذلك ثمن التصويبات.
وإذا أردنا تقديم مثال بسيط على ذلك الخطأ التاريخي، فيمكننا أن نذكر موقعة الجمل، أو معركة صفين، أو انتصار المعتزلة في عهد المأمون، أو معضلة خلق القرآن، أو حقبة حكم المتوكل، أو سقوط الخلافة العثمانية، أو اتفاقية سايكس بيكو، أو أحداث 11 سبتمبر التي شهدت سقوط برجي التجارة العالميين، أو ليلة سقوط بغداد، أو اكتشاف المؤامرات التي تحاك، أو أي حدث وقع بالأمس القريب. إن حكم الواقع يقتضي بأن ما حدث قد أصبح جزءاً من الماضي، وأن الحاضر سيعمل على ترميم جميع الأخطاء لكي يحل الغد حاملاً معه بشائر الأمل.
فما يحدث اليوم هو الواقع الذي نعيشه، وأي حدث يقع ويحدث تغييراً في هذا اليوم يصبح هو المستقبل الذي نتطلع إليه.
إن تقييمنا لمجريات الأحداث يعتبر جزءاً من اهتماماتنا اليومية، والأقاويل التي تقال بعد انقضاء اليوم تتحول إلى تاريخ نعيش به في الغد.
إن التصويب هو بمثابة عجلة ضخمة اسمها الحياة، تدرس كل ما يصادفها من أحداث وتجارب لكي تصوغ حكايات المستقبل الزاهر.